كثيرا ما يحدث اختلاف في الآراء حول الاكتشافات الأثرية وتخرج إلينا تفسيرات عديدة من العلماء فيكون بعض هذه الآراء مستندا إلي أدلة علمية, والبعض الآخر إلي دوافع شخصية, وقد حدث ذلك بعد اكتشاف الاثري والصحفي كمال الملاخ لمراكب خوفو عام1954 م, ذلك الكشف الذي اثار جدلا واسعا بين العلماء والباحثين وتجدد الجدل الذي كان قد اثير بعدما كشف سليم حسن عن حفر المراكب الخمس
للملك خفرع, وقام باخراج دراسة شيقة عن وظيفة المراكب داخل المجموعات الهرمية وتعددت الآراء حول وظيفة المراكب, فالبعض رأي أنها مراكب جنائزية, والبعض الآخر قال انها مراكب شمسية ومازال الدارسون وطلاب الآثار في الجامعات المصرية يعتقدون في الرأي الاول. وقد وجدت انه حان الوقت لنشر كل هذه الآراء ومناقشتها حتي نصل الي الرأي العلمي الارجح الذي يفسر وظيفة وحقيقة هذه المراكب.
وحقيقة الأمر ان هناك ثلاث مدارس فكرية تتعلق بدراسة المراكب الموجودة في الناحية الجنوبية من الهرم الاكبر, وللأسف فإن هذه المدارس تناولت مناقشة الحفر الاخري الموجودة شرقي الهرم ولم تحاول تفسير ماهيتها, غير ان عالم آثار واحدا فقط ناقشها سريعا وهو العالم التشيكي ياروسلاف تشيرني وهو صاحب المدرسة الاولي التي اعتقد اصحابها ان اربع مراكب من الخمس كانت عبارة عن مراكب للطقوس والشعائر من اجل نقل الملك الي الجهات الأربع الاصلية, اما القارب الخامس فكان مخصصا لنقل جثمان الملك من العاصمة منف الي منطقة الجيزة ولم يناقش تشيرني الشكل المعماري لهذه المراكب والحفر الخاصة بها. اما المدرسة الثانية فقد نادي بها سليم حسن والعالم الانجليزي والتر ايمري ومن بعدهما كمال الملاخ, وهي تقول ان هذه المراكب عبارة عن مراكب رمزية شمسية وهي التي كانت تحمل الملك او الإله رع عبر السماء, واستند ايمري في تحليله الي المراكب التي عثر عليها بجوار مقابر الاسرة الأولي بسقارة وناقشها سليم حسن بالتفصيل في أحد كتبه التي نشرت باللغة الانجليزية. اما المدرسة الثالثة التي تبناها عبد المنعم ابو بكر فتشير الي استخدام هذه المراكب في حياة الملك لنقله
للحج للأماكن المقدسة ثم عاد ابو بكر في مقال آخر ليثبت انها مراكب جنائزية استخدمت لنقل جثمان الملك الي الهرم ودفنت بعد ذلك في الحفر الجنوبية!
وقد لاحظ تشيرني ان المراكب الاربع التي تحدث عنها تتجه كل منها بالمقدمة الي احدي الجهات الاربع الاصلية ويعتقد رمزيا ان الملك في اي وقت كان يتجه الي تلك الجهات, واعتمد علي نصوص الاهرام التي وجدت داخل هرم الملك ونيس آخر ملوك الأسرة الخامسة كدليل يؤيد رأيه, حيث يوجد نص يشير الي منح آلهة الغرب والشرق والجنوب والشمال الملك المتوفي حصائر ذات اشكال معمارية محدبة وذلك عندما يعرج الي السماء ويقترح ايضا ان هذه المراكب تمثل تطورا للقوارب المبكرة التي كانت تمثل علي شكل حلية معمارية, وان الحفرة الخامسة تتضمن المركب الذي ينقل جثمان الملك دون الاشارة الي اسباب مقنعة.
وفي دراسته للمراكب الملحقة بالمجموعة الهرمية للملك يعتقد سليم حسن ان هذه الحفر المجاورة للأهرام عبارة عن اوعية لحفظ القوارب الشمسية التقليدية بصرف النظر عن اعدادها داخل المجموعة الهرمية طبقا لنظريته التي تقول ان الملك تعرف علي النجوم بالسماء الشمالية, وفي ظل تأثيرها فإن المركب اليومي يطير من الجنوب الي الغرب ويسافر المركب الليلي من الشمال متجها نحو الشرق, فهي النجوم التي لا تعرف التعب, ويقوم الملك في شكل الإله رع بدور ربان السفينة.
واستند حسن ايضا إلي نصوص الأهرام وحجر باليرمو ليدعم نظريته فهناك في النصوص فقرات تدل علي استخدام المراكب الشمسية وتقول إحداها لقد أتي الملك الي رع مطالبا ان يكون ملكا علي الأرض: فهو يصعد مع آتون ويرتفع ويهبط مع رع مع القوارب الشمسية, وفي موضع آخر يظهر الملك بأنه نجم مثل رع وحورس والملك هو الذي يعرج الي السماء ومن ناحية اخري نص يذكر يا آلهة الغرب, يا آلهة الشرق يا آلهة الجنوب يا آلهة الشمال, هذه هي القوارب الاربعة التي جهزتموها لأوزوريس عندما يصعد نحو السماء, وأيضا هناك في نصوص الأهرام ما يشير إلي أن كا الملك سوف يصبح نجما, وتشارك النجوم الشمالية وهناك نجم آخر يشارك الملك في الجهات الاربع الاصلية ويقول انه سوف يعرج الي السماء مثل حورس ورع, لذلك فإن هذا يثبت ان الملك يحتاج الي مثل هذه القوارب ليصعد بها نحو السماء ليصل الي مكان أبيه الإله الأعظم رع, ولابد لنا من الاشارة الي ان تلك الدراسة الممتعة للراحل العظيم سليم حسن جاءت قبل الكشف عن مركبي( خوفو) الجنوبيتين بأكثر من عشرين عاما. ومن الغريب ان عبد المنعم ابو بكر قد نشر في البداية مقالا يثبت فيه ان المراكب الموجودة جنوب الهرم هي مراكب شمسية, ثم عاد مرة اخري في مقال آخر اشترك فيه مع الحاج احمد يوسف ليثبت انها مراكب خاصة بالحج والجنازة, وهذا الرأي هو الذي يعتمد عليه دارسو الاثار الآن ويتم تدريسه بالجامعات المختلفة.
اما سليم حسن فقد جادل بأن هناك ثلاث حفر علي شكل مراكب تقع الي الشرق من الهرم تحوي بداخلها مراكب استخدمت خلال حياة الملك, واستخدمت مرة اخري رمزيا بعد وفاته لزيارة مراكز العبادة المهمة المقدسة بمصر وتحديدا: هليوبوليس, سايس بوتو, هذا وقد قام الملك بزيارة هذه الاماكن في اثناء حياته ولكن ليس هناك دليل علي رغبته في ان تدفن هذه المراكب قريبة من هرمه, وهناك دلائل استند إليها ابو بكر ليؤكد ان هذه المراكب ليست شمسية فاستند إلي منظر داخل مقبرة خاصة بالجيزة للمدعو(كا ـ ام ـ نسوت) وفيه يظهر قارب يبحر مكتوبا اعلاه ان القادم من بوتو, والمبحر الي حقول القربان العظيمة الجميلة, ونص آخر يقول: الابحار الي هليوبوليس, وهذا دليل في رأيي لا يأخذ به, خاصة لأن هذا الدليل من المقابر الخاصة, والعقيدة الدينية الملكية كما نعرف تختلف تماما عن العقيدة الدينية للأفراد. وهناك ستة أدلة استندوا اليها لإثبات ان هذه المراكب ليست شمسية, وسوف نستعرضها ونناقشها في مقالنا المقبل بإذن الله.
مبادرة سوزان مبارك والسينما والأطفال بلا مأوي
شاهدت هذاالاسبوع فيلما بعنوان تيتو وعلي الرغم من بساطة فكرة الفيلم وتكرارها في عدد من الاعمال الدرامية السابقة, إلا انه يعتبر فيلما عالي المستوي بالمقارنة بما كنا نشاهده.. حيث تدور قصته حول احد المنحرفين الذي يحاول الخروج من الدائرة الاجرامية, ليتحول الي فرد صالح منتج في المجتمع, وعلي الرغم من ذلك لا تمكنه قوي الشر من القيام بذلك, فلا يجد امامه سوي العودة الي الاجرام مرة اخري, إلا ان الجديد في الفيلم انه يحتوي علي رسالة اجدها مهمة وضرورية وهي حماية اطفال الشوارع, فهؤلاء الاطفال يمثلون مشكلة في معظم دول العالم خاصة بسبب الاثار السلبية للعولمة, فهؤلاء الاطفال بلا مأوي ـ هكذا افضل تسميتهم ـ هم بمثابة قنبلة موقوتة مهيأة للانفجار في اي لحظة, فإما ان نصنع منهم مستقبلا مشرقا لوطننا, وإما ان نتركهم كي يكونوا مجرمي المستقبل, فهم فئة مهمشة ضالة من المجتمع وبالتالي فهم مهيأون للدخول في عالم الجريمة, ولذلك فإن توفير الحماية الاجتماعية لهم يعد هدفا نبيلا, ولكن الفيلم يتعرض لمحاولة فردية لإنقاذ طفل من هؤلاء الاطفال إلا اننا نطالب بتدخل مؤسسات المجتمع الحكومي والمدني لحماية هؤلاء الاطفال وإدماجهم في المجتمع.
ومن هنا تعد مبادرة السيدة سوزان مبارك لحماية الاطفال بلا مأوي في اطار المجلس القومي للأمومة والطفولة جهدا مشكورا في هذا الاتجاه, وعلي المجتمع المدني ورجال الاعمال دعمه بكل الوسائل فهذا حقهم علينا لنجعلهم ادوات انتاج صالحة بدلا من ان يتحولوا الي اسلحة ضد المجتمع. اما الفيلم فيضع احمد السقا علي قمة الهرم في افلام الاكشن, ويؤكد تميز المخرج طارق العريان وتمكنه من ممثليه وادواته السينمائية خاصة سرعة الكاميرا وقوة المؤثرات الضوئية فخرج الفيلم متميزا بسرعة ادائه التي تتناسب مع احمد السقا الذي ادي الدور ببساطته المعهودة والممزوجة بقوة الاداء, واعتقد ان افلام الحركة تناسبه جدا بل واصبح متميزا فيها كما اعجبني ايضا دور حنان ترك التي تمثل هي وجيلها من الفنانات مستقبل صناعة السينما في مصر
