توفى أحمد بن طولون عام 270هـ ( 884م) وخلفه على ملك مصر ابنه أبو الجيش خمارويه وقد كان مسرفا الى حد السفه ميالا الى الأبهة والعظمة ولأدل على ذلك من تجهيزه ابنته قطر الندى للخليفة العباسي المعتضد سنة 281هـ( 894م) جهازا لم تجهز به عروس من قبل حتى صار مضرب الأمثال فى البذخ والترف مما أفقر الدولة وجر عليها الخراب والدمار فلما قتل سنة 283هـ ( 896م) ترك خزائنها خاوية مما أدى الى زوال دولة بنى طولون ومما يدل على بذخه وإسرافه انه أحال ميدان أبيه الفسيح الى بستان غرس فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر ( ونقل إليه النخل اللطيف الذى ينال ثمره القائم ومنه ما يتناوله الجالس من أصناف خيار النخل وحمل إليه كل صنف من الشجر المطعم العجيب وأنواع الورود وزرع فيه الزعفران وغرس فيه من الريحان المزروع على نقوش معمولة وكتابات مكتوبة يتهعدهـا البستاني بالمقراض حتى لا تزيد ورقة على ورقة وزع فيه النيلوفر الأحمر والأزرق والأصفر والجنوى العجيب وأهـدى إليه من خراسان كل أصل عجيب وطعموا شجر المشمش باللوز وأشباه ذلك مما يستظرف ويستحسن وكسا أجسام النخل نحاسا مذهـبا حسن الصنعة وجعل بين النحاس وأجسام النخل مزاريب الرصاص وأجرى فيها الماء المدبر فكان يخرج من تضاعيف قوائم النخل عيون الماء وتنحدر الى مساق معمولة ويفيض منها الماء الى مجار تسقى سائر البستان وبنى فيه برجا من الخشب الساج فكانت هـذه الفوارات والبرك والعيون المائية الصناعية ــ على طريقة المصريين القدماء فى عمل البساتين الى جانب أبراج الخشب مما يزيد البستان جمالا) وسرح فى البستان من الطير العجيب كالطواويس ودجاج البش ونحوها شيئا كثيرا وعمل فى داره مجلسا برواقه سماه بيت الذهب طلى حيطانه كلها ذهـب وجعل فيه مقدار قامة ونصف صورا فى حيطانه بارزة من خشب معمول على صورته وصور حظاياه والمغنيات اللأئى تغنينه بأحسن تصوير وأبهج تزويق وجعل على رءوسهن الأكاليل من الذهـب الخالص الإبريز فكان هـذا البيت من أعجب مباني الدنيا وجعل بين يدي هـذا البيت بركة من زئبق يقال أنها خمسون ذراعا طولا فى خمسون ذراعا عرضا وملأهـا بالزئبق وعمل فرشا من أدم ( جلد) يحشى بالريح ( الهواء ) حتى ينتفخ فيحكم حينئذ شده وينزل خماروية فينام عليه فلا يزال الفراش يرتج ويتحرك بحركة الزئبق ما دام عليه حتى ينام متغلـاعلى الأرق الذى كان مصابا به وقد ازدادت عمارة القطائع فى عهده وازينت ولم تصبح فقط مقر الأمير وبطاتنه ورجال حكومته بل اتسع نطاقها أنشئت فيها المساجد الجميلة والحمامات والأفران والطواحين والحوانيت واختطت فيها الشوارع وصارت مدينة زاهـرة عامرة جديرة بأن تكون عاصمة لدولة بنى طولون العظيمة وبعد مقتل هـارون بن خمارويه سير المكتفى باالله الخليفة العباسي محمد بن سليمان الكاتب الى مصر فوصلها فى سنة 292هـ ( 905م) وانقض على أثار الطولونيين بالهـدم والتخريب إذ بلغ حقده عليهم مبلغا دفعه الى محو آثارهم جملة ولولا حرمة مساجد الله وقداسة بيوته لهـدم أيضا المسجد الجامع ولكنا فـقدنا بذلك أثـر ا عظيما من أهـم الآثار الإسلامية بمصر أما القطائع فـقد ظلت عامرة الى نهاية المستنصر الفاطمي حين وقعت الشدة العظمى من 457الى 464هـ ( 1065-1072م) فخربت هي والعسكر وتهدمت وتحولت الى تلال وكيمان فيما بين مصر والقاهـرة