[size=24]
[b][size=12]الفصـــــــــل الثاني
1 ـ الـقطــائــع
قامت الدولة العباسية على أكتاف الفرس كماهـو معروف لذا كانت لهم الحظوة عند خلفائها الأولين فقوى نفوذهم وعلا شأنهم وصار منهم الوزراء والقواد وكبار الدولة الذين إليهم المرجع في كل صغيرة وكبيرة من شئونها ولما اشتدت وطأة النفوذ الفارسي حاول الخلفاء المتأخرون التخلص من ذلك النفوذ فاستبدلوا بالفرس قوادا وحراسا من الأتراك وسرعان ما انتشر نفوذ هـؤلاء وصاروا أصحاب الحول والطول فى مقر الخلافة بل وفى أقاليمها وممتلكاتها فآلت مصر الى واحد من أولئك الأتراك هـو الأمير بقبق أو بايكباك ثم الى الأمير برقوق وأناب كل منهما عنه فى حكم مصر أحمد بن طولون وهـو تركى الأصل مثلهما من إقليم بخاري فى بلاد ما وراء النهر وكان الأول زوج أم أحمد والثانى حماه أي أبا زوجته قدم أحمد بن طولون الى مصر سنة 254هـ (868م) وبين جنبيه آمال كبار فهو يريد أن ينشىء من مصر دولة تنافس الخلافة قوة وعظمة وأن يؤسس لها حاضرة تماثل ( سـر من رأى ) قصبة الخلافة فى عهده والتي ولد فيها وترعرع وأعجب بجمال قصورها ورحابة ميادينها وعظمة مساجدها ومنشأتها لذلك عـول منذ أن وطئت قدماه أرض مصر على إقامة العاصمة المرجـوة فكان له ما أراد وأسماها القطائع ذلك لأنه أقطعها قطعا بين خدمه وحاشيته ورجال دولته وشيد فيها القصور والمستشفيات والمللاجىء وأقام مسجده الجامع الذي مازال يطاول الزمن ببقائه درة فريدة بين مساجد والذي يستحق بلا ريب أن يطلق عليه اليوم اسم شيخ جوامع القاهـرة إذ لا يزال تخطيطه ومبانيه على الحال الأولى التي وجد عليها فى عهد منشئه
[b]2ـ مــوقــع الـقـطائــع
فالقطائع ثالثة العواصم الإسلامية فى مصر كانت تقع شمالي الفسطاط ( وكان موقعها من قبة الهواء التي صار مكانها الآن قلعة الجبل الى جامع ابن طولون وهـو طول القطائع وأما عرضها فانه كان من أول الرملية من تحت القلعة الى الموضع الذي يعرف الآن بالأرض الصفراء عند مشهد الرأس الذي يقال له الآن زين العابدين وكانت مساحة القطائع ميلا فى ميل ) وقد حدد العلامة الأثري المرحوم محمد رمزي هذه المدينة كما يلي ( الحد البحري ويبدأ من جامع سنجر الجاولى حتى باب العذب بالقلعة والحد الشرقي سور القلعة من باب العزب حتى جامع السلطان الاشرف قنصوه الغورى عند باب اليسار المعروف الآن بباب الجبل والحد القبلي ويبدأ من جامع الغورى المذكور حتى جامع سيدي على زين العابدين والحد الغربي من جامع سيدي على زين العابدين وينتهي بجامع سنجر الجاولى ) وقد تدخلت القطائع فى العسكر وشغلت الجزء المعروف الآن بقلعة الكبش وبتلو ل زينهم
3-قصـــر أحمـد بن طــولــون
وقد بدأ ابن طولون فى بناء القطائع فى شعبان سنة 256( يوليو سنة 870) بأن شيد قصره الذى كان بمثابة نواة للمدينة وكان يقع فى الفضاء المعروف الآن بميدان صلاح الدين والذى عرف بالرملية وقـره ميدان والمنشية والذى كان يمتد الى ما وراء جامع السلطان حسن الآن تحت المرتفع الذى كانت تقع عليه قبة الهواء التي فى مكانها بنى صلاح الدين قلعته المعروفة بقلعة الجبل وقد حول ابن طولون السهل الواقع بين القصر وجبل يشكر الى ميدان كبير يضرب فيه بالصوالجة فسمي القصر كله الميدان وكان للقصر عدة أبواب منها باب الميدان الكبير وكان منه دخول الجيش وخروجه وباب الخاصة وباب الجبل الذى يلي جبل المقطم وباب الحرم وباب الدرمون وباب دغناج وسميا كذلك نسبة الى حاجبين بهذين الاسمين كانا يجلسان أمامهما وباب الساج لأنه كان مصنوعا من خشب الساج وباب الصلاة الذى يخرج منه ابن طولون للصلاة وكان على الشارع الأعظم وكان يعرف أيضا بباب السباع إذ كانت صورتا سبعين من جبس وكانت هذه الأبواب لا تفتح كلها إلا فى يوم العيد أو يوم عرض الجيش أو يوم صدقة وما كانت تفتح إلا بترتيب فى أوقات معروفة وكان للقصر شبابيك تفتح من سائر نواحي الأبواب تشرف كل جهة على باب وكان للقصر مجلس يشرف منه ابن طولون يوم العرض ويوم الصدقة لينظر من أعلاه من يخرج ويدخل وكان الناس يدخلون من باب الصوالجة ويخرجون من باب السباع وكان على باب السباع مجلس آخـر يشرف منه ابن طولون ليلة العيد على القطائع ليرى حركات الغلمان وتأهبهم وتصرفهم فى حوائجهم
4 ـ تـخطيط الـقـطائع
بعدئد تقدم أحمد بن طولون الى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حول القصر والميدان فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط ثم قطعت القطائع وسميت كل قطيعة باسم من سكنها فكانت للنوبة قطيعة مفردة تعرف بهم وللروم قطيعة مفردة تعرف بهم وللفراشين قطيعة مفردة بهم ولكل صنف من الغلمان قطيعة مفردة تعرف بهم وبنى القواد فى مواضع متفرقة فعمرت القطائع عمارة حسنة وتفرقت فيها السكك والأزقة وبنيت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات والأفران وسميت أسواقها فقيل سوق العيارين وكان يجمع العطارين و البزازين وسوق الفاميين ويجمع الجزارين والبقالين والشوايين فكان فى دكاكين الفاميين جميع ما فى دكاكين نظرائهم فى المدينة وأكثر وأحسن وسوق الطباخين ويجمع الصيارف والخبازين والحلوانيين ولكل من الباعة سوق حسن عامر فصارت القطائع مدينة كبيرة أعمر ,أحسن من الشام وامتدت هذه المباني الى العسكر والفسطاط حتى أصبحت المدن الثلاث بلدا واحدا عامرا لاتصال مبانيها بعضها ببعض
5 ـ الجــامـــع
طلب ابن طولون الى مهندس سنعرض بعد قليل الى جنسيته أن يشيد له مسجدا له لاتاتى عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان ( فان احترقت مصر بقى وان غرقت بقى ) فحقق المهندس رغبته فبناه جميعه من الآجر الأحمر ورفعه على دعامات من الآجر أيضا ولم يدخل فى بنائه أعمدة من الرخام سوى عمودي القبلة ( لأن أساطين الرخام لاصبر لها على النار) ويؤخذ من اللوحة التذكارية الموجودة بالجامع أن الفراغ من بنائه كان سنة 265هـ ( 878-879م) وقد استغرق بناؤه عامين وجامع بن طولون مربع الشكل تقريبا ( 50ر162×73ر161 مترا ) يتوسطه صحن مكشوف تحيط به من جوانبه الأربعة أروقة مسقوفة وقد اتبع هذا التخطيط كثيرا بعد ذلك فى بناء المساجد فى العهود المتوالية ويتكون إيوان القبلة من خمسة أروقة أما ألأواوين الثلاثة الأخرى فيتكون كل منها من رواقين ويحيط بالجامع فيما بين جدرانه والسور الخارجي من جهاته الشمالية الشرقية والشمالية الغربية والغربية الجنوبية ثلاثة أروقة خارجية عرفت بالزيادات وتلك ميزة أخرى انفرد بها جامع ابن طولون بين مساجد القاهـرة والدعامات التي ترتكز عليها العقود مستطيلة الشكل محلاة فى أركانها الأربعة بأعمدة من نفس مادة الدعامات أي من الآجر وتيجانها كورنثية يطلق على أوراقها شوك اليهود أما العقود فمن الطراز الستيني ولم تستعمل فى مصر قبل ذلك ويوجد بين كل عقدين فوق الدعامة طاقة صغيرة بقصد التخفيف عن الدعامات وعقدها ستيني أيضا كالعقود الكبيرة وقد طليت جميع جدران المسجد ودعاماته وعقوده بطبقة من الجص وزخرفت واجهات العقود بزخارف نباتية متصلة كما حليت بواطن العقود حول الصحن بزخارف قوامها خطوط متداخلة وخطوط لولبية وأشرطة وخطوط منكسرة كلها معروفة فى الفن البيزنطي ومنه تسربت الى الفن القبطي وفنون العراق ويدور تحت السقف أزار من ألواح خشبية نقشت عليها بحروف كوفية بارزة من طراز الكتابة الطولونية التي سادت هذا العصر سورتا البقرة وال عمران وبالجزء العلوي من الجدران صف من الطاقات مركب عليها شبابيك من الجص مخرمة يتكون من تخريمها أشكال هندسية بسيطة جميلة تنوعت أشكالها تدور حول جدران المسجد الأربعة وأربعة فقط من هذه الشبابيك موجودة بجدار القبلة زخرفتها معاصرة لانشاءالمسجد وللمسجد خمسة محاريب عدا المحراب الأصلي المجوف الموجود فى جدار القبلة ولقد أنشئت المحاريب الخمسة فى العصور التالية لإنشاء المسجد اثنانفى منتصف حبل الطارات الثاني مما يلي الصحن الأيمن عمل فى عهد المستنصر الفاطمي والثانى فى عهد حسام الدين لاجين المملوكي واثنان فى النصف الثالث من حبل الطارات بجانبي دكة المبلغ ومحراب خامس وهو فى جدار القبلة على يسار المحراب الكبير وجميع هذه المحاريب من الجص ومزينة بالكتابة الكوفية أو النسخية والزخارف النباتية .
وكانت توجد وسط الصحن نافورة ماء أنشأها ابن طولون كي يشرب منها المصلون وسط حوض من الرخام تعلوها قبة مذهبة مقامة على ستة عشر عمودا من الرخام ولكنها تهدمت وأعيد بناؤها فى العصر الفاطمي ثم تهدمت ثانيا وأقيم مكانها البناء الحالي جدده السلطان حسام الدين لاجين سنة 696هـ ( 1297م) كما يدل على ذلك كتابة على لوح من خشب مثبت فى قاعدة القبة ضمن ما جدده من بناء المسجد وأثاثه مما سيأتي ذكره بعد ولكن النافورة خرجت هذه المرة عن الغرض الذى أنشئت من اجله أولا فقد صارت الآن ميضأة يتوضأ فيها المصلون وكان ابن طولون قد أبى أن تكون مكانا للوضوء خيفة أن تصبح مصدرا [ للنجاسة ] والقذارة فلما أخذ على المسجد خلوه من مكان للوضوء أقام ميضأة بالزيادة الغربية بعيدا عن داخل المسجد كما أنشأ بهذه الزيادة صيدلية بها الأدوية وعليها الخدم وفيها طبيب يجلس يوم الجمعة لإسعاف من يصاب من المصلين بحادث وقت الصلاة ولهذا المسجد مئذنة فريدة فى شكلها لا نظير لها بين مآذن مساجد القاهـرة وهى ميزة أخرى امتاز بها جامع بن طولون فهي مريعة فى جـزئها الأسفل اسطوانية فى جزئها الأوسط مثمنة فى جزئها العلوي وهـى بهذا تحمل بعض الشبه لمئذنة جامع المتوكل بسامرا المعروفة بالملوية ويحيط بالمسجد بموازاة الأروقة الثلاثة الخارجية أسوار مبنية من الآجر الذى بنيت منه جدران المسجد تعلوها شرافات مخرمة شبهها بعضهم بعرف الديك وبهذه الأسوار أبواب يقابل كل منها بابا من الأبواب المسجد وعدة هذه الأبواب جميعا أربعون بابا
6-مـهـنـدس الـجـامــع
ولما كان اسم مهندس هذا الجامع مجهولا فقد أدى ذلك الى كثير من التكهنات حول جنسيته فذكر بعض المؤرخين أنه كان بيزنطيا وقال آخرون انه كان قبطيا وقال فريق انه كان عراقيا غير أن الشبه الكبيربين هذا المسجد ومسجد المتوكل فى سرمن رأى يحمل على الاعتقاد بأن مهندسه عراقي ولا عبرة بأن يكون مسلما أو نصرانيا قدم الى مصر يحمل معه أساليب العراق وفنونه فاستخدمه ابن طولون فى تنفيذ بناء مسجده
وقد أدخلت على هذا المسجد إصلاحات كثيرة فى العهود التالية يضيق المقام عن حصرها وأهم هـذه الإصلاحات ما قام به حسام الدين لاجين السلطان المملوكي سنة 696هـ ( 1297م) منها النافورة التي سبق ذكرها والمنبر الخشبي الجميل
ومازال موجودا حتى اليوم والقبة التي فوق المحراب الكبير ولكن أهـم ما أدخل عليه من تجديد فى العصر الحديث هـو ما قامت به لجنة حفظ الآثار العربية منذ سنة 1882م من جهود فى سبيل أعادته الى حالته الأولى فهدمت المنازل والعشش التي أطبقت عليه من كل جانب ورممت المتداعي من جدرانه وطلتها بالجص معيدة زخارف سيرتها الأولى
[/b]